• خبير اقتصادي دولي: ثبات العملة الوطنية قرار استراتيجي

    20/05/2020

     

    في لقاء عن بعد نظمته غرفة الشرقية :

    خبير اقتصادي دولي: ثبات العملة الوطنية قرار استراتيجي

     

    أكد المستشار السابق بصندوق النقد الدولي الدكتور رجا المرزوقي إيجابية خيار المملكة في تثبيت العملة الوطنية مقابل الدولار، لوجود ميزات معينة في هذا التوجه، ونظرا لقدرات المملكة المالية والاقتصادية التي تؤهلها لمتابعة ما اقرته رسميا ليكون واقعا على الصعيد الاقتصادي.

    وأوضح المرزوقي، خلال لقاء نظمته غرفة الشرقية عن بعد (الاثنين 18/5/2020)، بعنوان "السياسة النقدية وسعر الصرف" اداره عضو مجلس ادارة غرفة الشرقية ابراهيم بن محمد ال الشيخ بأن  تثبيت العملة قرار تصدر بعض الدول  رسميا وتحافظ عليه اقتصاديا، فالدولة ذات الاحتياطات الضخمة في باطن الأرض أو في البنك المركزي تستطيع ان تجنّدها للاستمرار في تطبيق ما أصدرته رسميا، وتطبقه اقتصاديا، من خلال استخدام الاحتياطيات الرسمية لضمان التثبيت في حالة اختلال العرض والطلب على العملة مما يؤثر على السعر الرسمي.  بينما نجد في بعض الدول التي لا تملك هذه القدرة الاقتصادية لاتستطيع أن تحافظ على التثبيت الرسمي مما يخلق سوق سوداء للعملة مما يؤثر سلبا على السيولة في القطاع المالي ويخفض كفاءة الاقتصاد ويرفع تكاليف الإقراض، وليس أمام مثل هذه الدول سوى التحول لسعر الصرف المرن.

    واستعرض المرزوقي عددا من ميزات الصرف الثابت، وميزات الصرف المرن، ليؤكد بأن ذلك يعتمد على إمكانيات الدول، وقدراتها، فضلا عن الهدف التي تسعى من اجله، فلا يوجد نظام صرف أمثل في الوقت الحاضر.

    وقال إن الواقع المعيش اليوم هو نتاج تركيبة النظام الدولي الذي جرى بعد الحرب العالمية الثانية، إذ اتفقت دول العالم على إنشاء صندوق النقد الدولي، وبحث قضية العملات، وتم إنشاء نظام صرف ثابت يعتمد على الدولار وعلاقته بالذهب بحيث يكون سعر أونصة الذهب تعادل 35 دولار

    هذه العلاقة ـ حسب المرزوقي ـ كان ينبغي أن يتم الحفاظ عليها، وبموجبها يتم تقييم العملات، ومن ثم المحافظة عليها، وقد التزمت دول العالم بذلك، بما فيها أمريكا، التي كانت أقوى دولة في العالم من الناحية الاقتصادية، وأخذت دور القيادة في هذا الشأن كونها تملك حوالي 27% من الاقتصاد العالمي حنيذاك، فاستمرت العلاقة بين الذهب والدولار، واي عملة كانت تقيم بموجب احتياطاتها من الذهب والعملات الصعبة.

    لكن الأمر لم يستمر على هذه الصيغة، إذ في الستينيات ـ كما يقول المرزوقي ـ اندلعت حرب فيتنام، والتي شكلت تكاليف تمويل الحرب عبءً على ميزانية الحكومة الامريكية والتي قد تؤثر على قدرة أمريكا في التزامها بتعهدها بالعلاقة الثابتة بين الدولار والذهب . وان الحكومة الامريكية تطبع اكثر من احتياطياتها من الذهب، مما أدى لمحاولة التخلص من الدولار واستبداله بالذهب وتقليل احتياطياتها من الذهب. وفي حالة استمر هذا التوجه فانه قد يفقد أمريكا جزء كبير من احتياطياتها من الذهب. ولذا قرر الرئيس الأمريكي في سنة ١٩٧١ فك الارتباط بين الذهب والدولار

    يضيف المرزوقي قائلا بأن تلك الفترة كانت منعطفا تاريخا في نظم الصرف في العالم، إذ كانت تسير بنمط معين، الكل ملتزم به، بات الآن في نطاق آخر، فالدولة الكبرى لم تلتزم به، وحصل ذلك من جانب واحد، فبدلا من سعر صرف ثابت، ظهرت أسعار صرف مختلفة (ثابتة ومعوّمة)، فظهرت نظم صرف مختلفة منذ ذلك الحين تتراوح بن الربط الكامل للتعويم في عدة اشكال ابزرها (الدولرة ،الربط الثابت، والاتحاد النقدي، مجلس العملة، الربط الزاحف ، التعويم الموجه، والتعويم الحر

    أما الدولرة ـ حسب المستشار السابق لصندوق النقد الدولي ـ فهو أن الدولة تستخدم الدولار في المعاملات التجارية الى جوار عملة البلد أو لوحده، وهذا نراه على سبيل المثال في لبنان، مقابل ذلك نجد "الاتحاد النقدي" أي الغاء عملة الدول واستبدالها بعملة واحدة للمنطقة كما هو حاصل في الاتحاد الأوروبي، بينما نجد "مجلس العملة" والذي يتم تغطية طباعة العملة ١٠٠٪ من الذهب او العملات الصعبة ، والربط الثابت مقابل عملة واحدة او سلة عملات

    بالمقابل ـ كما يقول المحاضر المرزوقي ـ  "الربط الزاحف" والذي يعتبر أخف من الربط الثابت من خلال السماح للعملة أن تتغير قيمتها بناء على التضخم سواء التاريخي او المستقبلي . بينما نجد بان الية التعويم والتعويم الموجه تسمح لاليات السوق ان تحدد قيمة العملة مع تدخل بسيط لتقليل الصدمات على العملة في حالة التعويم الموجه.  تلك نظم ظهرت بعد سقوط نظام الصرف الثابت، ولكن في النهاية السعر الحقيقي للعملة مرن بغض الطرف عن سعر الصرف المستخدم ويتغير السعر سواء من خلال اتغير قيمة العملة مقابل العملات الأخرى أو من خلال تغير المستوى العام للأسعار.

    وفي هذا الصدد يشير الدكتور المرزوقي إلى أن الدول النفطية مثل المملكة، التي يشكل النفط عاملا مهما في الاقتصاد ونسبة مهمة من الصادرات تعتمد الصرف الثابت، وبعض تلك الدول ـ وهي قليلة ـ تعتمد سعر الصرف المرن، وهي التي صادراتها النفطية منخفضة أو في اتجاهها للانخفاض، ولكل مبرراتها وعوامل اتخاذ الخطوة، لأن من الثابت أن تقلبات سعر النفط يؤثر على ميزان المدفوعات واستقراره. وفي حالة سعر الصرف الثابت فان الاحتياطيات الرسمية هي التي تعيد التوازن لميزان المدفوعات

    ويمضي شارحا الوضع الذي تعيشه الدول النفطية في نظم الصرف لديها ليقول بأن ثمة ثلاثيا يستحيل أن يجتمع تحت أي ظرف، هذا الثلاثي هو "حركة رأس المال، الاستقلال النقدي، نظام الصرف الثابت"، فأي دولة لا بد وأن تتنازل عن واحد من هذا الثلاثي، إذ يستحيل أن تجتمع، فالسياسة النقدية تتأثر بحركة رأس المال، وهي تتأثر أيضا بالسعر الثابت.

    وبناء على ذلك، يقول المرزوقي إن أهم قناة تؤثر على سعر الصرف في الدول النفطية هي قناة الانفاق وعلاقته بالاقتصاد، فإذا صار الأنفاق اكبر من قدرة الدولة الاقتصادية فسوف يؤدي إلى ارتفاع الأجور وارتفاع الأسعار، وبالتالي ضعف التنافسية، وتراجع الأرباح، ويزيد من الإقبال على السلع غير التجارية (مثل العقار).

    ويضيف بأن أبرز قطاعين يتأثران إيجابا بزيادة الإنفاق هما "المقاولات والبناء والتشييد، والخدمات"، حيث تتوجه الموارد والاستثمارات نحوهما، لأن الاستثمار يبحث عن الاستثمار الأكثر ربحا، فينعكس ذلك على القطاعات الأخرى، وتميل البنوك لاقراض هذه القطاعات على حساب القطاعات الاخرى والتي قد تكون مهمة لتحقيق نمو مستدام.

    وضمن هذا السياق يشير إلى أن ضخ السياسة المالية الغير مستقرة والتي تتأثر بأسعار النفط انخفاظا وارتفاعا تؤثر سلبا على استقرار الاقتصاد من خلال تأثيرها على التضخم والأجور ، مما يؤدي الى تغيرات في سعر الصرف الحقيقي والذي بدوره يؤثر على استقرار الاقتصاد مما يرفع درجة عدم اليقين في الاقتصاد ويؤثر سلبا على النمو الاقتصادي المستدام ويؤدي الى ذبذبة كبيرة في النمو تشكل عائقا لنمو الاستثمارات التي تعتمد على التصدير. ولتفادي هذا الأثر، يرى المرزوقي أهمية تبني أطر السياسة المالية والتي تساعد القطاع الخاص في التنبؤ باتجاهات السياسة المالية وتقلل الذبذبة في الاقتصاد جراء تغيرات أسعار النفط

    وفي إجابة على سؤال حول هل يمكن ان يقوّم سعر البترول باليوان الصيني، قال بأن الدولار هو  عملة التسعير العالمية وخاصة للنفط في ظل وجود أسواق نفط فورية ومستقبلية .

    والصين تحاول ان تقدم العملة الصينية كعملة دولية من خلال اتفاقيات ثنائية مع عدة دول وتمويل الصادرات الصينية التي تتم مع الدول بالعملة الصينية لتشجيع استخدامها. كذلك تم انشاء سوق مستقبلية للنفط باليوان على ان يكون خيار التسليم في نهاية العقد باليوان او الذهب .

    وفي سؤال عن تجربة الكويت الشقيقة في الارتباط بسلة عملات قال المرزوقي أن الكويت مرتبطة بسلة عملات، لكن 70% من هذه السلة الدولار، وكان مبرر الكويت هو عدم استيراد التضخم من العالم خاصة خلال فترة ٢٠٠٠م والتي ارتفع فيه اليورو مقابل الدولار .

    وضمن مناقشات اللقاء تم التطرق إلى الرسوم الحكومية  والضرائب قال : تعتمد جدوى هذه الرسوم على نوعية الرسوم والهدف التي من أجله فرضت، هل هي مقابل خدمة معينة، أم لزيادة عائد الميزانية، أم لتغيير لسلوك معينة مثل الرسوم المفروضة على التبغ والمشروبات الغازية، ولذا الامر فيه تفاصيل يجب ان تؤخذ في الاعتبار قبل الحكم على مدى جدواها.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية